كثيرة
أعدادها تلك الأقدام التي مرت في هذه الحياة ثم ارتحلت وانتقلت في
الغابرين، فكان من بينها أقدام تلاشت معالم سيرها فإذا تتبعتها لم تصل لشيء
لأنها سارت على غير طريق لما فقدت غايتها والهدف، وهناك أخرى ما زالت
بصماتها بارزة ومعالمها براقة واضحة تعجب الناظرين، قد ارتحلت نعم لكن بقي
ذكرها الحسن ... لما أبت السير إلا بترك الأثر.
"لكل إنسان وجود وأثر ... ووجوده لا يغني عن أثره ... ولكن أثره يدل على قيمة وجوده" [ د.على الحمادي ]
لما كان الله سبحانه قد خلق الناس لعبادته: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، كلمه محظورهر لعباده مع هذه الغاية ما في الكون: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}
[الجاثية: 13]، كانت مهمة الإنسان كخليفة في الأرض تتمثل في إقامة
العبودية لله تعالى، وبالتالي الاستفادة من هذه القوى المسخرة في تحقيق تلك
العبودية، وهو ما يقتضي القول بأن صناعة الحياة وإعمار الأرض هي من صميم
مهام الإنسان في الحياة الدنيا.
والإسلام
باعتباره خاتم الرسالات، وخلاصة التعاليم الإلهية، والمنهج الذي أراده
الله للبشرية على امتداد الأزمان حتى يرث الله الأرض ومن عليها، يتضمن في
مبادئه وقوانيه وشرائعه ما يكفل للبشرية سعادة الدارين، مراعيًا جميع
مجالات الحياة وجوانب التكوين البشري واحتياجات العباد في منظومة متكاملة
تجمع بين البناء الروحي، والجانب الأخلاقي، وإعمار الحياة، لذا فالمسلم
يدرك حقيقة وجوده ومهمته على الأرض، والتي منها ترك أثره وبصمته في سجل
البنائين.